فضيلة النقد الغائبة
07-17-2019 04:38 PM
فضيلة النقد الغائبة
كان الترابي قاسيا في نقده، أو يبدو كذلك للكثيرين وخاصة الإسلاميين الذين تذوقوا حلاوة السلطة والتمكين والذين رأوا في الترابي محطما لآمالهم عندما بدأ في نقض غزل ظنه البعض قويا وعصيا عن النقض لأن حبله موصول ومعصوم بالسماء. ربما لا تعود القسوة لطبع الترابي وإنما لطبيعة الحقيقة، فالحقيقة قاسية لأنها تصادم الأوهام التي يضفى عليها (البعض) طابع القداسة فتقدس، وتحطيم المقدسات أمر لا يخلو من خطورة!
الكف عن النقد يعوق العقل ويعطل التفكير ويؤدي إلى التسليم والإذعان بأشياء لا يكون للمرء أي برهان عليها ولا تقوم على أي حجة أو دليل. والنقد مهما كانت قسوته يكون نافذة لرؤية وأمل جديدين...لكن من يقوى على النقد، ومن يقوى على جلد الذات، ومن يقوى على تحطيم المقدسات الزائفة؟ قد تبدو هذه الأسئلة سهلة لكن الإجابة عنها قد لا تكون كذلك بالتأكيد!
يبكي كثير من الإسلاميين على زيت السلطة المسكوب، يتبين ذلك في حوارات البعض، ويتجلى في كتابات بعض آخر، وآخرين من دونهم يتحدثون جهرا عن عدم الاقصاء، وكأن هؤلاء لم يمارسوا اقصاءً ولم يمارسوا تسلطا وتجبرا وتعاليا وتكبرا، وكأنهم لم يكونوا مسؤولين عن كل هذا الخراب والدمار -الذي طال كل شيء- من ذي قبل.
حكمت الحركة الإسلامية بمنطق القبلية، ولا نعنى بالقبيلة المفهوم الضيق للقبيلة المتمثل في العرق وصلة الدم، ولكن بالمفهوم الواسع للقبيلة التي تعني العصبة والجماعة المنتظمة في محيط متجانس، تحافظ عليه وفقا لسلوك محدد ومعين. قبيلة تتمتع وحدها دون غيرها بامتيازات مالية وسياسية واجتماعية مع اقصاء للآخر الخارج عن محيط التجانس، ومحاصرته فكريا واجتماعيا واضعاف تأثيره واضطراره إلى الانسحاب والانحسار عن أي فعل.
لم تنجح الحركة في الحكم أو حتى في مشروعها كما يرى الكثيرون، واصطدمت بصعوبات جمة، أدت إلى هزيمة ثقيلة وقاسية ونهائية كما يرى إسلاميون -مستنيرون- كثيرون، والنهاية هنا –توخيا للدقة- تتمثل ابتداءً في الطريقة التي جاءت بها الحركة إلى الحكم وهي طريقة خاطئة بل كبيرة من الكبائر وذنب من أعظم الذنوب تجلى وتبين في المعضلات الكثيرة التي تعشيها البلاد الآن بعد أن ثار الشعب بأكمله ليس على النظام الحاكم فحسب بل على الإسلاميين جميعا، حتى الذين تخلوا على النظام واعترفوا بذنوبهم، بل حتى على الذين عارضوه من أول يوم، وذلك لأن التجربة حتى وإن كانت صادقة في المنهج الذي تبنته فهي لم تكن صادقة في تطبيقه والدليل على ذلك الواقع الذي أحالت إليه، والأعمال بالخواتيم كما يقال.
ما يزال الكثيرون يتعالون على النقد، على نقد تجربتهم ونقد أنفسهم، ويعود ذلك لعدم فهمهم لقيمة النقد، بل وقيمة الإنسان نفسه. والنقد فضيلة لا يمكن الحصول عليها أو تعاطيها من غير شجاعة وتواضع. وعلى الإسلاميين بدلا عن التباكي على الزيت المسكوب أن يتواضعوا على نقد تجربتهم ونقد أنفسهم نقدا حصيفا منصفا. وأن يفكروا في الوطن بمحيطه الكبير المتنوع وإنسانه المختلف لونا ولسانا وعقيدة، لا في مركز القبيلة، أي كانت هذه القبيلة، فهي (منتنة).
عبد القادر دقاش
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
عبد القادر دقاش
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|