الإتفاق السياسي بين قحت والمجلس العسكري.. من وجهة نظر مؤيدة
07-18-2019 04:59 AM
الإتفاق السياسي بين قحت والمجلس العسكري.. من وجهة نظر مؤيدة
أولاً.. نبارك توقيع الإتفاق السياسي لإنشاء هياكل ومؤسسات الحكم في الفترة الإنتقالية بين قحت والمجلس العسكري. أعلم أن الكثيرين لا يوافقون على هذا الاتفاق، لأنه لا يضمن بالكامل مدنية الدولة، ولا يفكك بصورة كلية مؤسسات النظام السابق ومليشياته، ولا يحاسب المسئولين عن كل الجرائم التي تلت سقوط البشير. هذا هو النصف الفارغ من الكوب، ولكن بالنظر للنصف الملآن يتضح التالي:
- كانت هنالك هوة كبيرة من عدم الثقة - خصوصاً بعد مجزرة فض الإعتصام - تحكم العلاقة بين الطرفين قبل توقيع هذا الاتفاق، والتي من المؤمل أن يتم جسيرها بعد هذا التوقيع، وسينشأ عن ذلك بإذن الله قدر من الثقة المتبادلة، سيساهم، حتى ولو بصورة محدودة، في التوافق فيما تبقى من قضايا، تم ترحيلها للإعلان الدستوري الذي سيحكم الفترة الإنتقالية.
- هذا الاتفاق ثـبَّت وبصورة لا رجعة عنها مكانة وأحقية قحت في الشراكة مع المجلس العسكري في إدارة الفترة الإنتقالية، ولن تستطيع أي جهة بعد الآن المزايدة على تلك المكانة أو محاولة ركوب موجة الثورة والإدعاء بأحقية تمثيل الشارع. وهذا في ظني أحد أكبر مكاسب هذا الاتفاق، لأن المجلس العسكري عمل طوال الفترة الماضية على الإلتفاف على مطالب الثورة، بخلق كيانات سياسية مصطنعة، حاول إكسابها شرعية تمثيل الشارع. كما أن بقايا فلول النظام السابق المتربصة حاولت جاهدة قطع الطريق على أي إتفاق، تمهيداً لإستغلال التناقضات والتوترات التي ستحدث للعودة من جديد للحكم. إذن هذا الاتفاق يمكن إعتباره بداية مرحلة سياسية جديدة تماماً في عمر الشعب السوداني، وذلك بعد أن منع عودة الأمور للوراء، وقَطَعَ الطريق تماماً على شخصيات وأحزاب كانت تحركها أجندتها الحزبية الضيقة وليس مطالب الثورة والجماهير، ومنع أيضاً عودة النظام السابق ومليشياته في ثوبٍ جديد.
- البديل لهذا الاتفاق كان يعني إستمرار التوتر والإحتقان والمواجهات بين الطرفين، مما يعني سقوط المزيد من الضحايا، وتهديد أمن وسلامة بلاد ليست مهيأة لإحتمال التوترات لمدة طويلة، وذلك لهشاشة بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- هذا الاتفاق فتح الباب واسعاً لنيل بقية الحقوق من خلال المفاوضات والضغط السلمي، حيث أن كثيرين ممن يعارضون هذا الاتفاق الآن كانوا يأملون أن تُعلِن الثورة إنتصارها على تلك الشاكلة التي إنتهت عليها ثورتي أكتوبر 1964 أو أبريل 1985 في السودان، أو ثورة تونس 2011، حيث إنتهت الأحداث وقتها بهروب الرئيس أو التحفظ عليه، وإستلام قوى الثورة لمقاليد البلد. مثل هذه النهايات الدراماتيكية لم تعد متاحة حالياً نسبة لتمكن فلول النظام السابق من مفاصل الدولة، وتعدد الجهات الحاملة للسلاح، وصعوبة السيطرة عليها، والوهن الشديد الذي أصاب القوات المسلحة وجهاز الشرطة، والتدخلات الخارجية الكثيفة التي تدفع بالأمور في إتجاهات لا تصب في مصلحة الشعب السوداني، والتردِّي الشديد للأوضاع الإقتصادية. لكل تلك الأسباب أرى وجوب إتباع نموذج جنوب أفريقيا والهند أيام الإستعمار البريطاني في النضال السلمي، وضرورة تحقيق أهداف الثورة بالتقسيط، وإتباع سياسة النفس الطويل، فذلك أدعى بحفظ سلامة البلد وتقليل كلفة التغيير. أما جلوس قادة الثورة على مائدة تفاوض واحدة مع القتلة والمجرمين لإنتزاع الحقوق، فليس في ذلك أي تفريط أو خيانة لدماء الشهداء وأهداف الثورة - حيث حدث ذلك في النماذج التي ذكرتها - طالما بقيت قيادات الثورة أمينة على أهدافها، ومحافظة على أسباب الوحدة فيما بينها. الإشكال يبقى في ترك كل وسائل النضال والضغط لنيل الحقوق، ثم إستجدائها من القاتل والمجرم بعد ذلك. ففي تلك الحالة يصبح التفاوض عملاً عبثياً ويؤدي إلى التفريط وبيع القضايا والأهداف.
- هنالك نقطة هامة جداً لا يلتفت لها الكثيرون، وهي التداعيات الحاصلة الآن في الإقليم من حولنا، والتي ستترك أثرها الكبير على مجريات الأحداث في بلدنا السودان في الفترة المقبلة، حيث أستطيع الجزم أن الأمور لن تظل على ماهي عليه بعد فترة ال 21 شهراً مدة حكم العسكر في الفترة الإنتقالية، حيث من المتوقع وبصورة كبيرة أن تحدث تغييرات جذرية في الأوضاع في اليمن، بدأت إرهاصاتها بالإنسحاب الأماراتي، والتي بالتأكيد ستغير من نظرة الدول الإقليمية للأحداث في السودان ولتتدخلها فيه. لذا لم يكن من العبط أو الصدفة في ظني تشبث العسكر برئاسة الفترة الأولى الإنتقالية أو تمديد مدة تلك الفترة لثلاثة أشهر إضافية عما كان مقرراً.
- الاتفاق أيضاً يضمن قيام انتخابات نزيهة وحرة، وبعد فترة زمنية تُمكِّن جميع الأحزاب من الإستعداد الجيد لها، بعد وضع دستور دائم، وقانون انتخابات مقبول ومتوافق عليه، وتحت إشراف هيئة مستقلة يرضى بها الجميع. هذه الإجراءات لقيام الانتخابات في تقديري ضرورية جداً لقيام انتخابات حقيقية، ولمعرفة التمثيل الحقيقي للشعب السوداني، ولتحديد الأوزان الصحيحة للقوى السياسية المختلفة. وأنا كنت أكثر ما أخشاه قيام انتخابات "مُكَـلْـفَـتة" ومتعجلة ومحسومة النتائج سلفاً، تُعَـقِّـد المشهد أكثر مما تُفْـرِجُه، وتدخلنا في دوامة يصعب الخروج منها.
- الاتفاق أيضاً وردت فيه نقطة هامة جداً وهي منع كل من شارك في الفترة الإنتقالية في مجلسي السيادة والوزراء من الترشح في الانتخابات القادمة. وهذه نقطة على درجة كبيرة من الأهمية، لأنها تمنع ترشح الجنرال حميدتي أو البرهان في الانتخابات القادمة، وبذلك تنهي مراهنة القوى الخارجية على تلك الشخصيات.
ختاماً أقول.. أن القضايا الشائكة والمعقدة قد تم ترحليها للإعلان الدستوري الذي سيحكم الفترة الإنتقالية، وذلك يعود في ظني لرغبة الوسطاء في تحقيق إتفاق يحصل به تنفيس للإحتقان الحاصل، وهذا يعني أن المعركة لازالت مستمرة، وأن الشيطان لا زال متربصاً، وأن كثيراً من القضايا الخلافية لا زالت عالقة، وعليه لابد من أخذ أعلى درجات الحذر، والتحلي بأكبر قدر من الوعي، مع عدم التفريط في كل وسائل الضغط السلمية، وعدم الركون للوسطاء وحدهم، وإهمال الشارع الذي هو مصدر القوة الأكبر والوحيد للمتفاوضين نيابة عنه. كما أن على الجميع أن يعلم أنه لو قُـدِّر لهذا الاتفاق الفشل في تحقيق أهداف الثورة – لا قدر الله – فسيكون ذلك بسبب ترك الرماة للأماكنهم، وتعجُّل قحت في قطف ثمار الثورة، وإنفضاض سامر شملها، وتنكرها للشارع، وإستحكام الخلافات فيما بين مكوناتها، وعدم تقديرها الجيد للأوضاع السياسية المحيطة، ولن يكون الفشل بسبب دهاء أو خبث أعضاء المجلس العسكري أو من يقفون خلفهم، ولا بسبب قوة الثورة المضادة أو فلول النظام السابق. وذلك لأن درجة وعي الشعوب وقوتها وتماسكها وإصرارها على نيل حقوقها، لا غالب له من الناس، هكذا يعلمنا التاريخ... والسلام.
علي مالك عثمان
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
علي مالك عثمان
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|