المقالات
السياسة
ألمدنية طريقها ملغوم
ألمدنية طريقها ملغوم
07-23-2019 03:06 AM

ألمدنية طريقها ملغوم

إنّ الطريق الموصل إلى ألدولة و الحكومة المدنية في السودان محفوف بالمخاطر ومزروعة فيه الألغام , خاصة و أن استحواذ الحكم العسكري على معظم سنين الدولة الحديثة , والذي مثلت نسبته ما يفوق الثمانين بالمائة , إضافة إلى أن أجهزة أمن الحكم البائد لم تزل جاثمة على صدر البلاد , ومؤثرة على مجريات الأحداث , وما فتئت تتسيد المشهد العام حتى يومنا هذا , فعلى الرغم من أن الثورة الشعبية العارمة قد قامت باجتثاث رأس النظام واقتلاع أركانه الأخرى , إلا أن مؤسسة الأمن و المخابرات ما زالت تزاول نشاطها , وكما هو معلوم فان إدارة إقتصاديات منظومة البشير كانت تقوم بتدابير شئونها هذه المؤسسة الأمنية , حتى حملات التجسس و الإستخبار الالكتروني (كتائب الجهاد الالكتروني) واستهداف النشطاء السياسيين لم تتوقف , بل نشطت هذه الحملات في إثارة الكراهية والتفرقة العرقية بين مكونات المجتمع , مستفيدةً من إرهاصات فض الاعتصام الذي مازالت تشوبه الكثير من الشوائب , وتدور حوله الاستفهامات والأسئلة التي لم تجد لها إجابة.
لقد سبق وأن أبدينا ملاحظاتنا حول تواضع قدرات وكفاءة مفاوضي قوى الحرية و التغيير , مقابل ما يتمتع به العسكريون وأنصارهم من حرس النظام السابق من تجارب سابقة , ذلك لانهم خاضوا فعاليات مماثلة من مماحكات التفاوض الذي خبروا دروبه , هذا الفارق الكبير في الخبرات التفاوضية والتآلف مع روتين عمل مؤسسات الدولة , هو ما أنتج الوثيقة الهزيلة للاتفاق حول الاعلان السياسي , التي ضمنت واعتمدت اقتسام مقاعد مجلس السيادة بين المجلس العسكري الانتقالي و قوى اعلان الحرية و التغيير النصف بالنصف , وهي الوثيقة التي ثبّتت حقيقة قيادة المجلس العسكري للمرحلة الأولى من فترة الحكم الانتقالي , الأمر الذي يمثل النقطة الجوهرية التي تعتبر الهدف الأول المحرز في شباك ومرمى قوى الحرية و التغيير , أما الهدف الثاني يتجسد في قبول جماعة الحرية و التغيير بحصة النصف للتمثيل السيادي الذي سوف يدخلون فيه , ومعهم جميع مكونات القوى المدنية والقيادات العسكرية الحاملة للسلاح , في هذا السباق التنافسي حول حصتهم الشحيحة أصلاً والمتمثلة في مقاعدهم الخمسة التي لا تفي بآمال وتطلعات كل القوى المدنية.
لقد كان من باب الانصاف أن يعمل مفاوضو الحرية و التغيير , على ضغط المجلس العسكري الانتقالي واقناعه لاشراك القيادات العسكرية التي حملت السلاح في وجه النظام السابق في حصته من هذه الكوتة الخماسية , وأن يكون نصيب المدنيين ومقاعدهم الخمسة حصراً على المدنيين , وعلى القوى السياسية المتحدثة باسم إعلان الحرية و التغيير , التي من حيث لا تدري أثقلت كاهلها بمهمة قيادة مفاوضات أخرى , لإلحاق العسكريين و المدنيين من الجبهة الثورية بالمجلس السيادي , المزمع اعلان مكوناته ضمن الوثيقة الدستورية القادمة , فلو أن قوى الحرية و التغيير تركت هذا العبء الثقيل للمجلس العسكري و للمبادرة التي قادها نائب رئيسه من قبل , عندما التقى الأمين العام لنداء السودان بانجامينا , لكفت قوى إعلان الحرية نفسها شر القتال.
إنّ قيام المهندس عمر الدقير و فريقه الزائر لأديس أبابا بهذه المهمة الوطنية والسياسية العظيمة , التي تعتبر في الأساس من صميم عمل المجلس العسكري , ومن اوجب واجباته باعتباره الممسك بالمقود , هذه البادرة ستفتح الباب واسعاً أمام المجلس العسكري للعب دور المراقب الشامت , والغريم الساعي إلى استثمار كل الخلافات التي تطرأ بين هذه الأطراف وتوظيفها لخدمة اجنداته , و ليس ببعيد عن الأذهان ما حدث يوم أمس من مضايقات مؤسفة تمت بحق رئيس حركة العدل و المساواة , ضلعت فيها العديد من الجهات الأمنية والمخابراتية , فرأينا كيف استهلكت الآلة الإعلامية للمنظومة العميقة لنظام المشير هذا الحدث.
لقد غلب على مفاوضي قوى الحرية و التغيير الحماس الثوري الزائد , فاهملوا التكتيك السياسي في تعاطيهم مع المجلس العسكري , و تحملوا المسؤولية الوطنية و (الهيدك) لوحدهم , دون أن يشركوا الفاعل الثاني (المجلس العسكري) الذي أدى دوراً فنياً ملحوظاً في اتمام عملية التغيير الثوري , إذ كان على قوى اعلان الحرية و التغيير أن لا يدعوا المجلس العسكري ينام مرتاح البال , ليخلف رجل على الأخرى حتى يأتوا هم إليه بالحلول الجاهزة , فمثل هذا السلوك سوف يجعل العسكريين من عضوية المجلس السيادي , يمارسون دور الاستاذية على الأجهزة المدنية الدنيا بعد استكمال مشروع الوثيقة الدستورية.
ومن تحديات إنجاز مؤسسات الحكم المدني أيضاً , هذه الاختلافات الكثيرة حول الرؤى للقوى المدنية ذات نفسها , وتعدد منابرها و كثرة اجنداتها و تنوع أهدافها , فمثلاً , تجد تقوقع عبد العزيز آدم الحلو و تلويحه بعصا تقرير المصير من وقت لآخر من جهة , و تمحور عبد الواحد محمد نور حول أجندة نزع سلاح الجنجويد من الجهة الأخرى , فهما يمثلان الضلع الثالث والصعب المراس من اضلع مثلث المعارضة السودانية , الذي استعصى على النظام السابق أن يروضه أيما استعصاء , فلم تفلح جهود نظام المشير حتى في مجرد احضار الرجلين الى طاولة المفاوضات.

اسماعيل عبد الله
[email protected]





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 388

خدمات المحتوى


التعليقات
#1844578 [خالي شغل]
1.00/5 (1 صوت)

07-23-2019 11:07 PM
مؤتمر شعبي


اسماعيل عبد الله
اسماعيل عبد الله

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة