الثورة بين أزمة الحوار وأزمة الحكم
07-23-2019 10:34 PM
الثورة بين أزمة الحوار وأزمة الحكم
تمر الثورة بمعطف خطير ، يستدعي منا جميعا تدارك مخاطره .. حيث تكسّرت فرحة التوقيع على الإعلان السياسي على صخرة اعتراضات " معقولة " ، أسفرت عن اجتماعات أدبس أبابا لتفرز واقعا " غير معقول " و"غير مقبول" خاصة بعد أن تطاول زمن التفاوض وتسربت معلومات عن مطالبة بالمحاصصة السياسية مما أدى لتراجع الاهتمام الإعلامي العالمي بالقضية السودانية المعقدة وتذمر لدى الأوساط الشعبية .. كنت أرى أن المفوّضين من قوى الحرية والتغيير قد تعجّلوا التوقيع وأن الخطأ يكمن في أن التوقيع كان يمكن تأجيله ليتم بالتزامن مع الإعلان الدستوري لتكون الأمور واضحة وبينة للشعب كافة بدلا من توقيع أثار كثيرا من اللغط والتكهنات وأدى لمحادثات لم تسفر حتى الآن عن شيء مهم للشعب وثورته.
لا أعرف على ماذا يتحاور المتحاورون ؟ فقوى الحرية لا تملك حتى الآن سلطة فعلية تتقاسمها بينها أو مع غيرها ..لأن المجلس العسكري ما زال قابضا على السلطة وهو مجلس الأبالسة الذين لا يمكن لعاقل أن يثق في وعودهم أو خطابهم أو تنفيذ العهود والمواثيق معهم اعتمادا على ثلاثة أشهر من الكذب المتواصل والقتل المتواصل هذا بخلاف تاريخهم الدموي الحافل..
كما أن مثل هذا التحاور ينبني على قاعدة خاطئة على أساس أن القوى تمثل "النظام الحاكم" .. علينا أن نعرف يقينا أن الحكم في المرحلة المقبلة " انتقالي " وهذا يعني بالضرورة أنها أشبه بحكومة " تصريف أعمال محددة " لكن يقع عليها عبء وضع اللبنات الأساسية لنظام ديمقراطي يحقق شعارات الثورة في " الحرية والعدالة والسلام " بمعنى أنها تؤدي مهام محددة فيما يتعلق بتيسير معاش الناس والقوانين التي ترسي العدالة " في الفترة الانتقالية " عبر " المجلس التشريعي المؤقت " والتي تكفل تفعيل محاسبة المجرمين والقتلة واسترداد أموال الدولة المنهوبة ثم وضع الترتيبات لانتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة .. لكن هذا يحتاج لمناخ جديد بعد الثورة الشعبية التي تجرد صانعوها من الحزبية والجهوية والعنصرية وحققوا المساواة واقعا وهو مناخ ساد في " الدولة الفاضلة " التي لم يشهد السودان ولا العالم مثيلا لها وهي " دولة ساحة الاعتصام " التي عبرت بحق عن شكل ومحتوى ومستقبل السودان الذي نريد فيما أراد الذين دمروها تغييب ذلك النظام الجديد للسودان من ذاكرة الوطن ومستقبله.
لهذا أقول إن سقوط نظام الإخوان المسلمين يعني سقوط كافة المطالبات ويعني إزالة كافة العقبات من طريق تشكيل سودان ديمقراطي حر موحد تسوده العدالة والحرية والسلام .. وذلك يعني بالضرورة أن تعلن كافة الحركات المسلحة " تجميد كافة أنشطتها العسكرية " وتوقف المطالبات وتبدأ التحول الجاد للممارسة الحزبية حيث لا يوجد عدو " بعد تشكيل حكومة مدنية " وكذلك أن تعلن كافة الأحزاب تجردها عن المشاركة الحزبية في الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي كما فعل حزب المؤتمر وذلك تمهيدا لأرضية خصبة تنمو فيها الأفكار الجديدة والقناعات الجديدة التي أساسها " الوطن أولا " وهذا يعني ببساطة أن نسقط حق المطالبة بحصص في الحكومة والمجلس وأن تعتمد اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب لتولي مهمة التكليف في هذه الفترة الحرجة.
لكنني بالمقابل أدرك مدى الورطة التي يحملها مستقبل تشكيل الحكومة المدنية القادمة إذا لم تتحول قوى الحرية والتغيير إلى " جبهة موحدة " تدعم الحكومة وترتفع فوق خلافاتها البينية وتعتبر نفسها جميعا مسئولة عن نجاح أو إخفاق تلك الحكومة نظرا للمخاطر والتهديدات والعقبات التي ستوضع في طريقها من بقايا النظام البائد .. إن أي انشقاق أو خلافات ستكون بمثابة كارثة حقيقية ليس على الحكومة فحسب بل على مستقبل السودان بأكمله وسيحد أعداء الثورة فرصة استغلال ذلك لبيان مدى ضعفها وتحريك الشارع ضدها والانقضاض عليها كما فعلوا في فترة الديمقراطية الثالثة. ..
أنا شخصيا لا أفهم أن يكون رئيس الوزراء شخصا " غير سياسي " وهو الرئيس الفعلي !!؟، مع أن الحكم في أساسه " سياسة ".. ولأن هذه مهمة لا يجيدها غير الساسة المعتقين من ذوي الخبرة في الشؤون الداخلية والدولية والألاعيب السياسة وقواعدها يجب أن يكون رئيس الوزراء سياسيا محنكا يعرف " كيف يحاور وكيف يناور" ومتى يصرح ومتى يمتنع ومتى يجتمع وكيف يتعامل مع " دول العالم وتكتلاته الإقليمية " على اختلاف توجهاتها وعليه الاستفادة القصوى من سياسة الدولة الخارجية التي تبعدها عن المحاور وتجلب لها الاستثمارات والدعم الدولي وتمهد لها طريق القبول والبناء والتعاون .. ويمكن للرئيس الحصيف ورغم صعوبة ذلك أن يخلق لحكومته " طريقا ثالثا " بخلاف " مع أو ضد " التي لن تجلب على البلاد سوى الخلاف والاختلاف.
كما لا أعرف كيف يمكن أن يتم اختيار أعضاء لمجلس الدولة السيادي أو الوزراء دون أن تكون لهم انتماءات حزبية أو لنقل على الأقل متعاطفين مع هذا التيار أو ذلك الرأي.. أو نجد لأحدهم تصريحا أو تغريدة أو مقالا أو حتى علاقات اجتماعية تشير لعلاقة له بأحد المكونات السياسية العقائدية أو الحزبية.
إذن ما هو الحل ؟ الحل في اعتقادي أن يلتزم من يقع عليه الاختيار نظرا لكفاءته وقدراته بغض النظر عن خلفيته السياسية " غير الإخوانية " ، ويعلن " تحت القسم " تخليه عن أي رابطة حزبية أو سياسية له مع أي جهة وأن يلتزم بأنه لن يكون جزءا من أي تيار حزبي أو عقائدي مستقبلا وأن يعتبر ذلك قانونا يمنعه لاحقا من المشاركة بأي صورة من الصور في أي عمل سياسي أو حزبي طيلة حياته، وهذا فيما أرى يمكننا من اختيار الكفاءات المطلوبة وإلا فقولوا لنا كيف نعرف الشخص بأنه كفء ؟ بغير ممارسته الفعلية للسياسة أو العمل العام؟ إن الشهادات الأكاديمية وحدها لا تسعف كثيرا في التصدي للعمل الحكومي والسياسي المعقد ولذلك علينا ألا يكون اختيارنا مبنيا على المعيار الأكاديمي الرفيع وحده.
وخلاصة القول ، علينا أن نكف عن المحاورات الجانبية أيا كانت مبرراتها لأنها سلسلة لا تنتهي ، والتركيز على توقيع الإعلان الدستوري شريطة أن يحقق طموحات الشعب في نظام مدني ثم البدء فورا في تشكيل المجلس السيادي والحكومة لأن البلد لا تحتمل تأخيرا أكثر من ذلك .. فالآن الفوضى تضرب بأطنابها في السوق والمواطن تسحقه صعوبة الحياة وكتائب الجنجويد في الشوارع .. والطموحات معلقة والجامعات مغلقة بما يهدد بتجميد العام الدراسي وضياع عام " الثورة " من عمر أبنائنا .. والدولة غائبة تماما.. والاقتصاد يزداد تدهورا .. فهلا كنتم على قدر المسئولية التي وضعها شعبنا على عاتقكم لإخراجه من هذا الواقع المرير؟!! .
أبو الحسن الشاعر
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
أبو الحسن الشاعر
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|