حظر النشر
07-10-2011 08:51 AM

أفق بعيد

حظر النشر

فيصل محمد صالح
[email protected]


هناك مقومات كثيرة للعدالة وإحقاق الحق، ونعلم أن واحدا من أهم أركان العدالة أن يرى الناس العدالة وهي تتحقق. بمعنى أن إعداد القوانين والمحاكم واختيار وتأهيل القضاة العدول، كل هذا وحده لا يكفي، لا بد من أن يرى الناس العدالة وهي تتحقق، بشكل مجازي ومباشر. وواحد من شروط الرؤية هنا أن تكون المحاكم علنية ومشهودة، وحيثياتها منشورة بكل شفافية، هذه هي القاعدة، والاستثناء هو العكس. والغرض هنا متعدد الوجوه، بث الطمأنينة في نفوس الناس لركونهم لعدالة المحاكم والبعد عن أخذ القانون بأيديهم، وبالتالي إشاعة الاستقرار وسيادة القانون في البلاد، ومن ناحية أخرى إرهاب المعتدين والظالمين والمجرمين وتعريفهم بأن يوم حسابهم سيأتي لا محالة. ومنها كذلك زيادة معارف الناس القانونية والقضائية ونقل انطباعات وآراء الناس وردود أفعالهم على قرارات المحاكم.
وفي المرات القليلة التي تضطر فيها المحاكم العادلة لجعل الجلسات سرية وحظر نشر مداولاتها، فإن الغرض الأساسي يكون حماية المتهمين أو الضحايا من الابتزاز أو الوصمة الاجتماعية أو إيراد تفاصيل من الحياة الشخصية التي يجب حمايتها بإعمال مبدأ الخصوصية. وغالبا ما يدور هذا في جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء والأطفال وقضايا الأحوال الشخصية والأسرية وبعض القضايا الأخرى.
لكن جرت العادة في نظامنا العدلي ومحاكمنا على أساس قاعدة معكوسة، وهي مأخوذة من سلوك يومي ومعتاد ينكر على المواطن حق المعرفة والحصول على المعلومات، ويعتبرها ترفا زائدا، أو حملا لا قبل له به. وتنص القاعدة على أن العدالة يجب أن تكون سرية، تجري تفاصيلها في أقبية ودهاليز تحتية، ثم تعلن الأحكام للناس. ولهذا تتوسع المحاكم والنيابات في قرارات منع النشر غير المسببة، والتي تخالف جوهر العدالة وتبطل أحد أركانها المهمة. وغالبا ما يكون حظر النشر هنا مقصود به مجاملة جهات سياسية أو أجهزة حكومية سيضر بها بعض تفاصيل ما سيقال ويذكر في المحاكم، ليس لأن تلك التفاصيل ستمس أمن وسيادة البلاد، لكن لأنها قد تفضح سياسات وممارسات لا تتماشى مع القوانين. كما أن بعض المحاكم صارت تمنع دخول الجمهور المتابع للمحكمة دون إخطار مسبق أو مسبب، وإنما مجرد أوامر لشرطة الهيئة القضاية لتمنع الناس من الدخول.
والمدهش أن ليس هناك قاعدة عامة تنظم هذا الأمر، تنقل كاميرات التليفزيون بعض جلسات المحاكمات، وتظهر الصور في الصحف، ثم تفاجأ في قضايا أخرى برجال الأمن والشرطة يطاردون المصورين والصحفيين ويصادرون أجهزتهم، ويمنع بعض القضاة الجمهور من الحضور. ولعل من يتابعون محاكمات رموز النظام القديم في مصر يلاحظون حرص وتأكيد معظم المتحدثين والكتاب على ضرورة الشفافية وفتح المحاكم لأكبر جمهور ممكن.
نحتاج أن نعود للأصل، أن نرسخ شفافية المحاكم والمحاكمات، وأن نؤكد حق الجمهور في الحضور والمتابعة، ثم والأهم من ذلك أن نتيح نشر مجريات المحاكمات على الجمهور، بل أن نشجع على ذلك، بدلا من حالة التعتيم والحصار التي تحدث حاليا.

الاخبار





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 2644

خدمات المحتوى


التعليقات
#175547 [ود البلد]
1.00/5 (1 صوت)

07-10-2011 10:31 AM
الاستاذ الفاضل فيصل وانت اعلم مني ببطون الامور ممن نطلب العداله لو كانت هنالك عداله ما كانت هنالك بيوت الاشباح وما كان هنالك تعذيب وماكانت هنالك فتوات واظهار العضلات وتصريحات عنتريه تهتز منها الجبال


فيصل محمد صالح
فيصل محمد صالح

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة